الدايمقراطية
ضرورة مبدئية وعلمية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حديث الرفيق صدام حسين
في اجتماع القيادة القطرية بتاريخ 29\1\1978
تشكل الممارسة الدايمقراطية منطلقا مبدئيا , يعبر عن نهج الحزب الثابت وتصوراته العقائدية , التي تأخذ مميزاتها الاساسية من خصوصية الفكر البعثي , والتطبيقات العملية المستمدة منه , وهي , بهذا النهج , تجسد اصالة النظرة المبدئية والتعبير عن ضمير الشعب وارادته الحقيقة , في اطار الفهم الثوري السليم , الذي يتجنب في حساباته مزالق الوقوع في اوهام التصورات الليبرالية , ويحدد افاق هذه الممارسة , في دوربها الصحيحة الواعية .
ولمل كانت الدايمقراطية , في عرف حزب البعث العربي الاشتراكي , ذات ارضية ثورية محددة , تستمد صفاتها من التلازم مع فكرنا الاشتراكي في خصوصية البعثية , فانها تفجر , بذلك طاقات المواطن والجماهير , وتحرر مكوناتها الدفينة التي يسحقها الكبت والحرمان والخوف والتردد… وهذا التحريك الفعال لقدرة المواطن والمجتمع يجعل الزخم الثوري لهما ذا قوة عظيمة , في مسار العملية الثورية وقضية تطورها , وان ابقاء مصادر القلق والفزع في حياة المواطن والشعب , كشبح يهدد حياتهما ومستقبلهما , يعني اختزال قوة المواطن والمجتمع الى اقصى ما يمكن , وتحويلها الى اضعف حالة ممكنة .
والدايمقراطية الشعبية , بهذا الفهم , ذات صلة وثيقة وكبيرة بالراي العام , لان احترامه والاهتمام به , مع كونه منهجا ذا فروض مبدئية وقواعد , يستند في الاساس الى اصول الخضوع لارادة الشعب واحترام قيمة الانسان …كما ان شكل الخارطة السياسية في القطر ووجود احزاب تتسابق على كسب هذا الرأي , وكذلك المسؤولية القومية للحزب بحكم تنظيمه القومي وتطلعاته التي تمتد على الساحة الجغرافية للوطن العربي بامتداد اهدافه , يدعونا الى مزيد من الاهتمام بالرأي العام . ان احترام رأي الاسنسان على الطريق الذي نقود فيه , وليس الطريق الذي ننساق اليه , بالاضافة الى كونه واجبا مبديئا فهو ضرورة , عملية وسياسية ملحة … لان التوجه والتطور العام الحاصل في العالم هو توجه وتطور لصالح الدايمقراطية , ومن الطبيعي ان تتطور الامور بهذا الاتجاه , لان التواصل بالحياة العامة للناس , واحترام رأي الشعب صار ملموسا , ويمثل اهتماما متزايدا منة عموم شعوب العالم , ومنه تستمد السلطات مشروعيتها .
لقد اصبح المواطن يطل من نوافذ شتى على ثقافة العالم واعلامه , فهو الان يستطيع ان يستقبل اية اذاعة من خلال ( الراديو ) , وبعد فترة , سيكون بمقدوره انسياقا لتطور التقنية والعلم , ان يسمع ويشاهد ويطلع , من خلال التلفزيون , على الحياة الاجتماعية والسياسية للعالم من خلال النقل المباشر , فأن المواطن سوف يتعلم على نطاق واسع , وسوف تزداد تطلعات ان الممارسة الدايمقراطية يجب ان تكون جزءا من نهجها بشكل دائم , لانها ركن اساس في عقيدة حزبنا حزب البعث العربي الاشتراكي , التي تقوم على اساس اعتبار الانسان قيمة عليا , وليس القيمة العليا , لان حاصل القيمة العليا ليس الانسان وحده ككيان مستقل , وانما هو كل الاهداف المركزية المتفاعلة , والتي يسعى حزبنا اليها .
الا ان الانسان , ضمن الاهداف المركزية , هو قيمة عليا , من بين القيم العليا الكبيرة الاخرى , لذا ينبغي احترام الانسان , اذ يحدث احيانا ان يستهان به . وعلى العموم فان الاقل وعيا ودرجة في الحزب , تصبح احتمالات استهانتهم بالاخرين متوقعة اكثر من الاعلى موقعا والاكثر وعيا .
لهذا فان النتائج التي ظهرت في انتخابات المحامين استوجبت ان ندرك بأننا لو اعطينا – في هذا الوسط – (( ديمقراطية لبيرالية )), بمعنى ان نسمح للجميع – بما في ذلك المعادون للثورة , طبقيا وسياسيا وفكريا – او اعطينا (( دايمقراطية بعثية )) , اي دايمقراطية الشعبية , بأن نسمح لقوى الثورة وحدها – بعثيين وغير بعثيين – بأن يجربوا حظهم , مع حضور الدور القيلدي والتوجيهي للحزب … ففي تصوري , ان هذه القائمة التي نطلع عليها من الفائزين بانتخابات المحامين , ما كانت لتفوز في (( الدايمقراطيتين )) . ان النتجية التي ظهرت الان , حسب معلوماتي واستنتاجاتي , من خلال التقرير الذي اطلعنا عليه , هي ان هذه القائمة كانت ستهزم , وتفوز بدلها قائمة اخرى , سواء تكونت من البعثين فحسب او منهم ومن غيرهم , من اناس يحبون الثورة ويؤيدون المسيرة , ولكنهم , على اية حال , ليسوا هؤلاء الاشخاص الذين فازوا , وهذا يعني ان لدينا خللا في موقعين : احدهما في الاختيار البشر بنمط جدي , كتعبير حقيقي عن ضمير الشعب , ويفترض – الان وبعد ان وصلنا الى هذه المرحلة , وبعد ان قطعنا عشر سنوات من مسيرة الثورة – ان نضيق الفواصل بين البعثي وغير البعثي , لغرض تولي المسؤوليات , وعلى الاخص المسؤوليات غير القيادية , في مفاصل المجتمع او الدولة لهذه المرحلة , مراعين , في التطبيق العملي , طبيعة كل مرحلة وخصوصياتها بخط متصاعد , لتطبيق كامل حقوق الدايمقراطية كما نفهمها , وان نضيق كذلك المسافة , فلا تظل واسعة في موضوع تقيم الاخلاص للوطن وللثورة , كمؤشر جدي على الوطن المتحرر ,والشعب المتحرر , والمجتمع المتحرر.
اما اذا كان ما يزال هناك خلل في هذا المجال , وان الفاصلة ما زالت واسعة , بين البعثي في اخلاصه لها , كما كانت في عام 1970 , فأن هذا يعني اننا لم نحقق الاندماج والتلاحم الحيوي مع الشعب .
ان التعبير عن الاخلاص , بصيغ اكثر دقة و هو من سمات البعثي , لذا فان البعثي في تنافسه مع ابن الشعب لا يتنافس واياه على الاخلاص , بمفهومه العام وتعبيراته العامة و باعتبار انه , بعد فترة من الزمن , وربما لم نصلها الان ,وقد نصلها بعد خمس سنوات مثلا , لن يكون هناك كثر من المواطنين اعداء طبقيون للثورة واعداء للثورة واعداء رجعيون بالافكار لها , وكذلك سيتقلص الاعداء السياسيون ايضا ويصبحون غير ذوي شأن … وبذلك تتوفر الظروف المناسبة لكي يكون الشعب متساويا في الاخلاص العام , وفي اسس الاخلاص العام مع البعثين . اما البعثي فانه يتقدم على المواطن في قدرة التعبير عن الاخلاص بدقة اكثر … وعندما يكون البعثي , بحكم اعداده الخاص وتربيته الخاصة , متقدما على المواطن في القدرة فانه سيكون متقدما , تبعا لذلك عليه في التعبير عن الاخلاص بتفاصيل العمل اليومي المبرمج , وعليه فانه في عملية التنافس على الاخلاص وقدرة ودقة التعبير عنه , كأساس لتقدم المرء الى امام , وسوف يتقدم على المواطن في امتلاكه لشروط الاختيار الصحيح للمواقع القيادية في المجتمع وفي الدولة . ومن ةهذه الحقيقة , يقتضي الامر ان نسعى ويسعى رفاقنا الى تطوير انفسهم , من الناحية العملية , ومن ناحية الامكانيات , لكي يتنافسوا مع المجتمع الذي هو منا ، ويتنافسوا مع المواطن الذي هو ابن الثورة ايضا ً ، باطار ووفق أسس مشروعة ، وأن نسقط التنافس غير المشروع ، المتأتي من خلال موقعين غير متساويين في الفرص ، إذ تمنح الفرصة للبعثي لمجرد صفته الحزبية ، بينما تحجب عن المواطن ، لذلك فان المطلوب هو أن يصبح المقياس الجديد أن ينتزع فرصته انتزاعا ً، من خلال مؤهلاته المتفوقة في الكفاءة وفي قدرة الاداء الدقيق ، في تفاصيل العمل اليومي ، تعبيرا عن الاخلاص لنهج الثورة وواجبات العمل في خدمة الوطن والشعب ، وليس من خلال منحه الفرصة بالتميز عن المواطنيين ، دون مراعاة للكفاءة وحسن الاداء .
فعندما تكون هناك فرصة ، والطريق إليها ذو شقين ، أحدهما ملئ بالعوائق والعراقيل ، والآخر مستقيم وممهد ، ويكون نصيب البعثي الطريق المستقيم والممهد ، بينما يكون نصيب ابن الشعب الطريق الآخر ، فسيتقدم البعثي للوصول لتلك الفرصة ، بينما يتأخر المواطن . . وعندها فإن البعثي لا يتقدم في الوصول الى موقع ما ، كتعبير عن قدرته الذاتية (( الفنية الثورية )) في التعبير الأقوى والأدق عن اخلاصه للثورة والحزب ، وانما يتقدم لأنه بعثي فحسب ، مع تساوي الاخلاص في الشروط العامه بينه وبين المواطن ، وعدم وجود أرجحية في الشروط الخاصة (( الفنية الثورية )) لصالحه .
وحالة من هذا النوع توجد انفصاما ً نفسياً في علاقة الشعب مع الحزب والثورة وقيادتهما .لأن الشعب عندما يرى انه مخلص للثورة ومحب ومحب للحزب ومحب لقيادة الحزب ، وملتزم بنهج الثورة ، ويرى ان قدرته في التعبير عن منهجية الثورة أعلى من قدرة البعثي الذي تقدم عليه ، ومع كل ذلك تمنح الفرصة للبعثي ويتقدم عليه ، وذلك كونه بعثيا حسب ، وليس لكونه أقدر منه ، من الناحية الثورية والفنية ، في التعبير عن الاخلاص بمنهجية ووتيرة أعلى وأدق ،فإن صورة من هذا النوع ستحز في نفس أبناء الشعب ، وستبعدهم عن ثورتهم وحزبهم .
والموقع الأخر الذي نخسر منه ، إذا ما استمرت هذه الحالة ، هو ان ابن الشعب ، عندما يصطدم بهذه الحقيقة ، ويرى انها جاثمة على صدره فسيجد نفسه منساقاً لأن يقف ضد الثورة ، وينزلق الى الخندق المقابل ، حيث يكمن أعداء الشعب والثورة ، وهو ، في الأساس ، ليس ضد الثورة ، ولكنه ضد التعبير غير الأصيل عنها ، من خلال الشخوص الذين يراهم ، والذين يعبرون تعبيراً شيئاً عن مسيرتها ، والذين لا يشكلون نموذجاً أصيلاً لها .
ونحن ، كما ذكرت ، في عصر تقدم الديمقراطية وانتشارها في العالم . . وهذا ما يفسر استخدام الأمريكان مسألة الحريات الديمقراطية ضد الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية . . من خلال شعار حقوق الانسان والحرية والانسانية ‼ ورغم انهم في سياساتهم العامة ، داخل وخارج بلدانهم ، يواجهون امضى الطعنات للحريات الديمقراطية وحقوق الانسان كما نفهمها . . وانسياقاً مع المنهج الصحيح الذي بيناه ، فإن النقطة المركزية الاخرى التي تحتاج الى سياقات صحيحة في العمل والفهم ، هي مراعاة الدقة والعدالة في من نختار من بين المخلصين للثورة من ابناء الشعب ، المتساويين في شروط الاخلاص العام ، ومن بين البعثيين كذلك؟ ومن هي العناصر الأقدر في التعبير عن الثورة وعن الحزب ؟ قد نجد ، مثلاً ، عشرة بعثيين يطرحون للاختيار أمامنا في قضية ما ، كلهم متساوون في الاخلاص في شروطه العامة ، ومع ذلك نجد حالات قد يجري فيها اختيار الذي تنطبق عليه ثلاث نقاط قدرة التعبير عن الثورة ويحجب الاختيار عن واحد تنطبق عليه عشرة نقاط من البعثيين ، وقد يجري اختيار واحد من بين عدد من المواطنيين المتساوين في شروط الاخلاص العامة ، وليس لصالحه سوى نقطتين من شروط المؤهلات الخاصة ، بينما يترك آخر تنطبق عليه اثنتا عشرة نقطة لصالحه ، في أن يكون هو الأصلح والأقدر على التعبير عن الثورة والحزب . فالاختيار في مثل هذه الحالة يكون مزاجياً وشخصياً ، أكثر مما هو تعبير عن منهجية الثورة وأُسسها في العدالة . وهذا يجعلنا نخسر الشعب ، الذي هو منا ، من الذين يريدون أن يكونوا جزءاً ملتصقاً بجلدنا ، ويريدون أن يكونوا جلد الثورة ووسيلتها في التغير الثوري الحاسم . ويلحق أذى جدياً بمعنويات بعض البعثيين ويهز صورة المبادئ لديهم . . ان تجاوز ومعالجة مثل هذه الظواهر الضارة ، التي تبرز في مسيرتنا الثورية يقتضي منا أن نساوي بين البعثيين ، وان نعبر عن الديمقراطية بقدرة عالية في الاختيار الصحيح ، وبفرص متساوية . هذا يستوجب ان نتبع في الحزب منهجاً جديداً ، من أبرز معالجاته الابتعاد عن اكمال ملاكات القيادات والمكاتب الحزبية عن طريق التعيين ، ما أمكن ذلك ، والحرص على أن لا تطول فترة الانتخابات لغير القيادة العليا ، مما لا يستوجب أن نكمل ملاكات النقص أو الاستجابة للتوسع في الملاكات عن طريق التعيين ، إذ ان التعيين من شأنه ان يجعل الكثيير من الاختيارات يقع تحت ثقل المزاج الشخصي والاعتبارات الذاتية . وحالة من هذا النوع تربي الانتهازية والشللية داخل الحزب .
فأعضاء الشعب ، عندما يمارسون عملية اختيار ممثليهم وفق أُسس ديمقراطية ، كل سنتين ، أو كلما حصل نقص في الملاك ، اختياراً حراً ، فإن حماسهم في نقد الأخطاء وفي البناء سيزداد ، وبذلك ينحتون مستقبلهم عن طريق أخلاصهم لمبادئ الحزب وتقاليده , وعن طريق قدراتهم الذاتية ..
لكنهم عندما يرون بأن مصيرهم مرتبط برضا عضو الفرع , او اعضاء الفروع عنهم رضا شخصيا مباشرا فانهم عندئذ سيضطرون لان يستخدموا اساليب شتى في الفوز بهذا الرضا بطريق خاطئ .
وكذلك المسألة بالنسبة للشعب , فعندما نفرز مائة الف مواطن ونتفق على اخلاصهم العام جميعا للثورة متساو , ونحن نريد ( خمسة ) منهم للهئية الادارية النقابة المعلمين , مثلا , او المحامين, فيجب الا نلقي ثقل الحزب , بشكا تعسفي , الى جانب اربعة او خمسة افراد باختيارات شخصية , ونهمل الباقين من المواطنين ، وبشكل نساهم فيه في تهيئة جو الانفصام النفسي بينهم وبين الثورة . وانما يجب ان ننطلق من اعتبار انهم جميعاً مخلصون للثورة ، مما يستوجب ان نطلب منهم ونعاونهم على اختيار العدد المطلوب من بينهم للغرض الفلاني اختياراً ديمقراطياً من البعثيين وغير البعثيين . . واننا بذلك سنكسب المائة الف مواطن ، ونربي الناس على ممارسة الديمقراطية والحماس لمبادئ الثورة في ظل الدور القيادي للحزب .
انني أحس بالضيق عندما ينافس احد حزب البعث العربي الاشتراكي , وفق الطريقة التي جرت في نقابة المحامين .. لان مثل هذه المنافسة ستكون مقدمة ليست هينة , وستبرز تيارات للمناداة بممارسة الدايمقراطية خارج اطار دور القيادي للحزب , بشكل الذي يجعل الاخرين في المجتمع , سواء قوى اجتماعية , او منظمات سياسية مضادة , يدعون الى ان يقودوا فعلا عملية الممارسة الدايمقراطية , وبما يخرجها عن اطارها الصحيح , وخارج اطار الدور القيادي والتوجيهي لحزب البعث العربي الاشتراكي , وامام هذه الحالة ارى ان تولي القيادة اهتماما خاصا لهذه القضية في منهجها , وفي التعبير عنه من خلال الرقابة عالية , لتحقيق الدايمقراطية الشعبية عن طريق الحزب … اي عن طريق الدور القيادي للحزب , ووفق المنهج الذي يضعه , وليس خارجا عن ذلك , لكي لا تنمو التيارات المنحرفة في مواجهة الحالة التزمت والخلل في ممارسة الدايمقراطية الشعبية اللبيرالية … وبذلك تمون ممارسة من هذا النوع احد اغطية مضدات الثورة .
ان انور السادات لم يعط شيئا ذا قيمة حقيقة للشعب المصري بعد توليه للسلطة وانما طبق نمطا من الدايمقراطية اللبيرالية , بديلا عن الفردية . فلو طبق عبد الناصر الدايمقراطية الشعبية لما استطاع السادات ان يعطي شيئا للشعب المصري على طريق الدايمقراطية , ولو ان عبد الناصر جعل ( 95%) او اي نسبة جدية تعبر عن اغلبية الشعب المصري تمارس الدايمقراطية الشعبية بدوره القيادي هو لاصبح بذلك ( 5%) هم المحرومين من ممارسة الدايمقراطية , لانهم معادون للثورة المصرية , ولانهم ان يمارسوا الدايمقراطية في ظل الفهم اللبيرالي لها . وعندما يموت عبد الناصر فأن ال(5%) سيصطدمون ب( 95%) من الشعب , وبما يجعلهم غير قادرين على طرح منهج او دعوة للانحراف او بما يؤدي اليهما .
لكن الذي حصل هو انو الشعب كله , عندما يكون محروما من ممارسة الدايمقراطية اصبح ال( 5%) هم الاكثرامكانية , والاكثر قدرة في التعبير عن نهجهم الذي يؤمنون به , لانهم منظمون من ناحية الترابط المصلحي , ولان امكاناتهم اقدر على الفعل , نظرا لامتلاكهم وسائل التأثير المادية , وبذلك اثر اولئك ال(5%) على نسبة لا يستهان بها من ال ( 95%) الاخرين من الشعب , وشكلوا غطاءا لانحرافات النظام المصري , بعد عهد عبد الناصر .
وعليه , وتحسبا لاحتمالالت مماثلة لما جرى في مصر , فأن الامر يستدعي ان لا نجعل اي نسبة جدية من شعبنا تشع بأنها محرومة من ممارسة الدايمقراطية واحقوق المركزية المشروعة الاخرى , وبما يقوي ويعمق تقاليد العمل الثوري الدايمقراطي , ويجعلها سدا جديا بوجه الانحرافات واغطية الردة , ويزيد من اعتزاز شعبنا بحزبه العظيم .. وعندها سوف تنعدم فرصة ان يخرج اي نهجمن داخل الحزب , او من خارجه , في يوم من الايام ليرفع شعارا منحرفا , يستقطب به الغالبية المحرومة من الممارسة الدايمقراطية , او اي حقوق اخرى , ويستخدم غطاءا للنوايا والنهج المنحرف … فعندما يكون الامر متعلقا بالفلاحين واختيار ممثليهم .. مثلا , فلر افترضنا اننا نريد عشرة بعثيين من اصل 15 عضوا من اعضاء المكتب التفيذي للاتحاد العام للجمعيات الفلاحية , ولنفرض ان التكوين الحالي يضم خمسة منهم من ابناء الشعب غير المنظمين في الحزب , والعشرة الباقون منظمون في الحزب , فهؤلاء العشرة يجب ان يختارهم الحزب في القطاع الفلاحي اختيارا دايمقراطيا , بتوجيه القيادة , ووفق الصيغة التي تراها مناسبة ..
وبعد ذلك , تطرح اسماؤهم للتنافس مع زملائهم الاخرين في المؤتمرات الفلاحية المعنية , بدلا من الخضوع للاختيار الذي تلعب به الحسابات والدوافع الذاتية دوراً أساساً ، كأن يؤتي بفلان أو (( علان )) الى المواقع القيادية للمنظمات الشعبية . ولكن هل يعبر النهج المعمول به الآن في اختيار ممثلي المنظمات الشعبية من الحزبيين وغير الحزبيين عن خلفيات عقول المؤتمرين ، كما هو في النهج الديمقراطي الأصيل تماماً وبدقة ؟ .
والجواب: كلا ، فالواقع ان الممارسات الخاطئة وعلى النمط الذي جرى في انتخابات المحامين . . يجري في مجالات العمال والفلاحين والطلبة والنساء وغيرهم ، وينعكس مثل هذا الاسلوب داخل الحزب كذلك ، في الوقت الذي يمارس خارجه ، ولكن بنسب متفاوتة في الخطأ ، لذلك فإن الاسلوب الصحيح هو أن نطلب من الفلاحين بطريقة ديمقراطية ، نضع نحن أُسسها أن يختاروا من يمثلهم ، ويعزل من الاختيار من كان على موقفه علامة استفهام ، ومن شمله الاصلاح الزراعي . .
فهذه هي الطريقة الديمقراطية الشعبية ،أي عزل تأثيرات الناس المعادين للثورة ، طبقياً ، وفي مواقفهم ونزعاتهم السياسية والفكرية ، وفق صيغ وأساليب محددة ومناسبة ، ونترك أبناء الثورة يمارسون الديمقراطية وفق الأسس المركزية التي تضعها القيادة كتعبير عن ذلك . . لكن هذا لا يحصل عملياً وبنفس الدقة التي أشرنا إليها ، فما الذي يحصل ؟ الذي يحصل اننا نمارس الديمقراطية فعلاً ، لكن لا نمارسها بأطارها الدقيق والصحيح والجدي والشمولي .
ان ممارسة الديمقراطية الشعبية وفق الأساليب الصحيحة ستهيئ لنا فرص استخدام المركزية بأدق صورها ضد الانحرافات ، اننا لا نريد من ممارسة الديمقراطية الشعبية منهجاً مائعاً للانفلات ، وانما نريد أن نهيئ بها ، ومن خلالها وبالاضافة الى الاعتبارات الاخرى ، وبإرادة حديدية ، عندما يحدث اي شطط . . وعند ذلك لا تبقى هناك فرصة للمشتط ، بعد أن أعطى كل حقوقه ، ولم يؤد واجباته اداءً دقيقاً ، ففي تلك الحالة يكون لكل منا الحق في أن يضرب ، بيد من حديد ، على الناس الذين يخرجون على المنهجية التي وضعتها قيادة الحزب ، أو المستويات الاخرى المخولة بذلك . . ولكن عندما تكون المنهجية مرتجة ، وتأخذ التعبيرات والنزعات الذاتية دورها من خلالها ، فإن النوازع الخيرة والنوازع الشريرة ستختلط بالشكل الذي يجعل أصحاب النوازع الشريرة يغطون انفسهم بلافتات ، ظاهرها يعبر عن نوايا خيرة ، وخفاياها تستهدف إلحاق الشر والأذى بالثورة .
هذا هو الذي أردت أن أقوله حول نتائج انتخابات نقابة المحامين ، وأنا لا أعتقد أن مثل هذا الخلل موجود في صفوف المحامين وحدهم ، كما قلت ، وانما هو موجود في صفوف كل أو أغلب منظماتنا الشعبية والجماهيرية ، وبدرجات متفاوتة ، ولكنه برز الآن في صفوف المحامين أكثر من غيرهم ، لاعتبارات معروفة ، أهمها ان هذا الوسط تكثر فيه العناصر اليمينية ، وكذلك تنشط فيه العناصر التي تسعى لممارسة الديمقراطية الصحيحة أو الليبرالية ، وهي قادرة على ايصال صوتها إلينا ، بأساليب فعالة أكثر من غيرها .
علينا أن نفهم ونتصرف على أساس ان الوسائل التي استخدمناها لتقوية وترويج المركزية ، من اجل مواجهة أعداء الثورة ، وتركيز الدور القيادي للحزب في السنوات المنصرمة من مسيرة الثورة لا يجوز أن تستمر على حالها ، واننا يجب ان نعرف ، بدقة ، التطور الذي أحرزته الثورة في مسيرتها ، وما يستلزمه ذلك من تطوير وتطويع للأساليب والصيغ بموجب الظروف والحالة الجديدة ، دونما تفريط بالتوازن الصحيح بين المركزية والديمقراطية ، وحساب المستجدات من الظروف في كل مرحلة من مراحل نضالنا ، بروح ثورية وعقل علمي ، ودون اخلال في النظرة والخلط في التصرف بين المعاملة المطلوبة مع الشعب ، وأهمية استمرار الحذر وسياسة العصا الغليظة مع أعداء الشعب ، على اننا يجب ان نتجنب ، في كافة الاحوال ، جعل الظواهر والقضايا الظرفية قوانين عامة للثورة والمجتمع .